«نـيْـرون يُبْـعثُ من  جـديد» قصيدة للشاعر عبدالستار سليم

الشاعر عبدالستار سليم
الشاعر عبدالستار سليم

عاد "نيرون" المغامرْ

عاد وحشا كاسرًا ،

 سَـنّ نيـوبًا و أظافرْ

عاد نيرون المجازف ْ

حاملًا قيثارةً ألحانُها  رَعدٌ ،

و بـرْقٌ ، و عواصِفْ

و اجتياحٌ ، و دمارٌ ، واغتيالٌ ،

و  مجازرْ

فهو مجنونٌ إذا الليل أتَى ..

وهْـو فى الصبح مقامرْ

إنه فظٌّ غليظْ ،

كـفُّه  منذُ استحمّت بالدماءْ

والضحايا تتوالى ..

كلما راح وجاءْ

عاد يجتاح بعُـنفٍ ما على الأرضِ ،

وما تحت الثرى ..!

أرَأَيْـنَـا .. ؟!   أم  تُرانَا لا نَرَى

……

عاد نيرون بأفكار مِـراض ، وبعقلٍ

 طائش ،

وبنفْس شَـوّهَت أبعادها 

أضغانُ أيام بعيدَةْ

عاد نيرون يُغنّى - اليومَ - لحنًا دمويّا ..

 علَّهُ يُثرى  نشيدَهْ

عـاد ظمــآنَ إلى "رُوما" جديدَةْ

ليُحيل الأُفْـق فيها مهرجانًا من حرائقْ

ويُسوّى من مبانيها مشانقْ

فهْو ســفّاح يعانى شهوة القتلِ ،

ويهوى قطع أعناق الزنابقْ

وهْو مَهْووسٌ بأشلاء الضحايا ،

والدمِ المسفوح ، والذُّعر ، وأصوات البكاءْ

فِكرُه الملتاث مفتونٌ

 بخنقِ الشمسِ والأطفال ..

هدْمِ الدور ..  ترميلِ النساء

عاد نيرون  ولكنْ

فى  بلاد شَهِدَت  من قبلُ

 مَسْرَى الأنبياءْ

………

 عاد نيرون  فريقا 

من جماعات  التّغنّى

بمعاداة البشرْ

أنَّ رمل الأرض منه

فاستجارت بالحـجـرْ

……

يا وطَنْ

كل هاتيك المِحَنْ

أين أنت اليومَ ..  قلْ لى يا وطَنْ  ؟!

فهنا بنيان كون يتهدّمْ

دولة قد حوّلوها لمخيّمْ

 آلة الحرب الغشوم استهدفتها ،

واستباحت أرضها  شِبْرًا فـشِبرَا

حوّّلت أيامها  شعثًا و  غُبرا

جعلت من دورها  للناس قبرا

 

خنقوا حُلما فتيّا

بثرى الأرض متيّم

كتموا صوت فتاة ، بحروف

  اسمِ أبيها تترنّم

سَحقوا هام  الرُّبَا

منعوا الماء هنا أن يَعذُبَا

حبسوا النسر عن التحليق فى

السرْب

و ظلّت قادةُ  الأسراب 

كالصُّمّ حيارَى ليس إلا  ينظرون

و كأن الأمر معنِيٌّ به

 - فى الناس- ناسٌ آخرون

……

 يا وطنْ

ضجّت الشمس وعافت كل مطلعْ

لم يَعُد فى الكأس أسآرٌ ،

ولا  فى القوس مَـنْزَعْ

رَشَق السهمُ السما ،

و جرَى النهرُ دمَا ،

ومضى يسخر منّا

كلُّ دمع قدْ  هَمَا

……

يا وطنْ

طفح الكيلُ ،

 و دَمَّى جرحَنا  الويلُ،

و حَمَّى حولنا تَنّورَه الليلُ ،

وما زلنا - على ما صار فينا - نتفرّج

و كأنّـا قد عدِمْنَا كل مَخرج

نتخَفَّى- من سياط الصمت -

بالدور الخجولة

كرِجال سُلـبَت منها الرجولة

وتقاعسْنَا ، فلا نحن أمرْنَا الريح

 تجرى - فى صحاريك - رُخاءً ،

ولا  نحن أمرْنا كَفَّـنَا أن تضربا

و تركنا السيل حتى  بلغ

السيلُ الزُّبَا

……

 

يا وطَن ْ

أنكرت كلُّ طريق أُختَها ،

وتمنّى كلّ حرف صفْوَه - عن عينه -

أن يَعزُبَا

……

يا وطنْ

لا تقل لى

 "صحّ منّى العزمُ والسيفُ  نَـبَا"

أنت لم تعزِمْ ،

ولم تستلّ سيفا من جرابْ

أنت لم تركب إلى الهيجا حصانا 

أشهبَا

أنت لم تحرُس مكانا ،

أنت لم تحشد إلى الزحف زمانا

أنت لم تردع جبانا

حرَم الأطـفال  أُمّـا ، و أبَا

……

ثم لمّا صرت مسلوب الإرادة

رافعًا - خلف تخوم الجُبن - رايات

البلادة

بعدما كنت أبيّا ،

عاد " نيــرون " قُوًى

تغتال منك الكبرياء  العربيّا

فغدوْنا ليس فينا كبرياء

أو لنا - بعدُ - سيادة

………

يا وطنْ

أدرِك عُرانا

فالعُرَى تنداحُ

ما بين خليج ومحيط

……

يا وطنْ

أدرِك رؤانا

 فالرؤى ليست رداءً

 نتمارَى حول جدواهُ ، مخيطا كانَ

 أو غير مخيط

نحن ما زلنا نصلّى الفرض

فى البيد  ، فُرادَى دون طاعة

و إذا - يوما - أردنا أن نصلى

فى جماعة

لا نصلّيه سوَى عبْر وسيط

 فوسيط

………

يا وطنْ

لا تدعْ شعب البطولات وحيدا

 يكتوى

 بالنار  فى قلب العراء

لا تدع للمعتدى

شعب بلاد الأنبياء

لا تدعْه ضائعا بين

التمنّى والرجاء

لا تدعْه لوحوش الغاب 

حتى  لا يبيدْ

فإذا باد - غدًا- فأْذَنْ بحرب